تشكل إعادة طبع الكتب الهامة في الثقافة المصرية والعربية جهدا ثقافيا جديرا بالإشادة حقا كما يتجلى في التجربة الرائدة التي تمضي فيها مؤسسة دار الهلال الصحفية بإصدار طبعات جديدة من كتب الرئيس الراحل أنور السادات.
فإعادة طبعات كتب صدرت منذ اكثر من نصف قرن لقادة وشخصيات تاريخية مثل الرئيس الراحل أنور السادات تسهم في إضاءة التاريخ ومن ثم المستقبل أمام الأجيال الجديدة في هذا الوطن، فيما تكاد هذه النوعية من الكتب ان تكون بمثابة "وثائق تاريخية تسجل خبايا مراحل هامة في تاريخ مصر وأمتها العربية بقدر ما تخدم المؤرخين المتخصصين الذين يمكن ان يستندوا اليها في جهدهم الفكري المستقل".
وإعادة طبع الأعمال الهامة يخدم التواصل بين الأجيال في مصر الخالدة بقدر ما يحفظ التراث الثقافي والسياسي المصري سواء في مراحل قريبة نسبيا او عصور بعيدة تاريخيا.
وكانت مؤسسة دار الهلال الصحفية قد نظمت الليلة الماضية "الثلاثاء" احتفالية لتوقيع طبعتين جديدتين من كتابي الرئيس الراحل انور السادات "قصة الثورة كاملة"، و"قصة الوحدة العربية"، وذلك بحضور السيدة جيهان السادات قرينة الرئيس الراحل ولفيف من الشخصيات العامة والمثقفين البارزين.
وقال غالي محمد رئيس مجلس إدارة مؤسسة دار الهلال ان مؤسسته بصدد الإعداد لفعالية كبيرة مصورة عن الرئيس الراحل انور السادات وذلك في غضون أيام بالتعاون مع جامعة "النهضة"، فيما تعد دار الهلال من المؤسسات الصحفية التي تمتلك بحق كنوزا ثقافية ووثائق وصورا نادرة ضمن أرشيفها الصحفي البالغ الثراء والمتراكم على مدى أعوام عديدة ومديدة.
ويقول سليمان عبد العظيم مدير التحرير العام بمؤسسة دار الهلال الصحفية لوكالة انباء الشرق الأوسط ان هذه الاحتفالية جاءت اتساقا مع الدور الثقافي الهام لمؤسسة دار الهلال في الحياة المصرية والعربية، لافتا الى ان تجربة الطبعات الجديدة للاصدارات من كتب الرئيس الراحل انور السادات حظت بنجاح كبير بقدر ما كشفت عن اقبال واضح من القراء وخاصة الشباب الذين يتطلعون للتعرف على خبايا مراحل تاريخية هامة في مسيرة مصر وامتهم العربية.
وفيما كان غالي محمد رئيس مجلس ادارة مؤسسة دار الهلال ورئيس تحرير مجلة "المصور" في مقدمة مستقبلي الضيوف في الاحتفالية التي أقيمت بفندق "هيلتون رمسيس" ومن بينهم محمد عبد الهادي علام رئيس تحرير جريدة "الأهرام" والدكتور صديق عفيفي رئيس جامعة "النهضة"، أعاد سليمان عبد العظيم للأذهان ان دار الهلال كانت قد نظمت في العام الماضي حفل توقيع كتابي الرئيس الراحل انور السادات؛ "أسرار ثورة يوليو"، و"يا ولدي هذا عمك جمال".
وهذه التجربة التي بدأت في العام الماضي كشفت عن اقبال كبير من القراء للتعرف على صفحات مضيئة في تاريخ مصر، كما انها تنطوي على أهمية في عملية استعادة القوة الناعمة المصرية بكامل قوتها وزخمها وتعظيم هذه القوة بما يتناسب مع تحديات المشهد الإقليمي والعالمي الراهن.
والرئيس الراحل أنور السادات صاحب كتاب "البحث عن الذات"، عمل يوما ما في مسيرته الثرية بدار الهلال وهو من القادة التاريخيين أصحاب الكتب والكتابات والنفس السردي المشوق مع عناية بجماليات التعبير دون تكلف الأمر الذى صنع لنصوصه قدرا كبيرا من الجاذبية للقراء كما هو الحال في الكتابين اللذين اقيم حفل توقيعهما الليلة الماضية.
وعندما قرأ الزعيم الخالد جمال عبد الناصر مسودة كتاب "أسرار ثورة يوليو" بقلم أنور السادات كتب مقدمة للكتاب جاء فيها: "ان هذا الكتاب هو خلاصة البواعث الخفية والأسباب السيكولوجية لثورتنا السلمية".
ولئن كانت الثقافة من العناصر المهمة في الاستراتيجية المصرية، فلا ريب ان المؤسسات الصحفية بحكم دورها الثقافي والتنويري تعد طرفا رئيسا في تقديم صحيح التاريخ للأجيال الصاعدة وطرح الحقائق امام الشباب لتشعل بروقا تضىء العتمة وسط المعركة على روح مصر بين قوى التقدم والجماعات الظلامية وهى معركة ثقافية باالدرجة الأولى.
وفي هذا السياق جاء حفل توقيع كتابي الرئيس الراحل أنور السادات "قصة الثورة الكاملة"، و"قصة الوحدة العربية"، وهو حفل نظمته دار الهلال بالتعاون مع "جامعة النهضة" برئاسة الدكتور صديق عفيفي، كما أوضح سليمان عبد العظيم مدير تحرير مجلة المصور، لافتا الى أن الحفل يأتي وفاء لقيم ثقافية مصرية عزيزة ويتسق مع تقاليد عريقة للصحافة الثقافية المصرية.
وواقع الحال أن هذا الجهد الثقافي لمؤسسات صحفية مصرية يأتي ضمن استجابة مصرية مطلوبة لتحديات جمة وأسئلة تراود الأجيال الصاعدة في هذا الوطن حول الماضي والحاضر والمستقبل وأسباب التخلف وعوامل التقدم، ولعلها أسئلة تشغل العقل المصري والعربي ككل في راهن المرحلة التي بلغت مخاطرها حد تهديد الهوية وتمزيق الأمة العربية وتغيير خارطة بلدانها.
ولن يكون من قبيل المبالغة القول بأن إعادة طبع الكتب الهامة لشخصيات وقيادات تاريخية لمصر والأمة العربية خطوة ضرورية ضمن أي مشروع ثقافي جاد للتقدم، ناهيك عن تشخيص معالمنا الفكرية وحقيقتنا التاريخية.
والأمل أن يأتي يوم قريب تكون فيه احتفاليات توقيع الكتب في مصر، كما هو الحال في الغرب، أو "الشمال المتقدم"، حيث تعد هذه الاحتفاليات من محركات الحياة الثقافية وتحرك الساكن في الساحة بمناقشات وبرامج وطروحات في الصحف ومحطات الاذاعة وقنوات التلفزيون.
وكتابا "قصة الثورة"، و"قصة الوحدة العربية"، صدرا لأول مرة في النصف الثاني من خمسينيات القرن العشرين، وكانا قد نفدا من المكتبات، فيما قررت دار الهلال إصدار طبعتين جديدتين منهما نظرا لأهميتهما على مستوى بناء الوعي للأجيال الجديدة التي لم تعاصر أحداث ثورة 23 يوليو نظام الحكم الذي انتجته هذه الثورة بقيادة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر.
وواقع الحال أن المؤسسات الصحفية مثل "دار الهلال" بحاجة لدراسة متعمقة في مجال التاريخ الثقافي المصري لبيان دورها الرائد في إثارة الاهتمام بقضايا الثقافة والفكر والأدب والإبداع ناهيك عن الدفاع عن ثقافة وهوية مصر.
ورعاية "جامعة النهضة" لعملية إعادة الطباعة في دار الهلال تؤشر أيضا للتواصل الإيجابي والتفاعل المطلوب بين المؤسسات الصحفية والمؤسسات الأكاديمية لصنع حالة مصرية من الطرب العام بالقراءة كممارسة ثقافية لا غنى عنها لأي مجتمع يرغب في حياة كريمة.
ففي بلدان الشمال المتقدم كثيرا ما يتحول إصدار كتاب أو رواية جديدة إلى "حدث عام" يتجاوز ما يعرف بالدوائر الثقافية إلى رحابة الوطن واهتمام الجماهير، خلافا للواقع في بلدان الجنوب التي تعاني من أزمة حادة في معدلات القراءة والإصدارات الجديدة للكتب.
ولئن كانت مقولة "أزمة القراءة" تتردد من حين لآخر، فإن أي جهد ثقافي في اتجاه إنهاء تلك القطيعة المشؤومة بين الكتاب والجماهير ومد جسور الكلمة مع رجل الشارع وتزويده بالزاد الثقافي الأصيل خليق بالإشادة والتقدير.
أرسل تعليقك