توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الإرث الموسيقي لسورية يعكس تاريخًا حيًا وثقافات متنوعة

  مصر اليوم -

  مصر اليوم - الإرث الموسيقي لسورية يعكس تاريخًا حيًا وثقافات متنوعة

الإرث الموسيقي لسورية
دمشق-مصراليوم

يعكس الإرث الموسيقي لسورية تاريخًا حيًا، وثقافات متنوعة تتجاوز السياسات والحروب الراهنة، فهذا البلد العريق ربما أعطى العالم أولى أغنياته. والموسيقى في سورية متأصلة في نسيج المكان أكثر من أي بقعة أخرى، فقبل آلاف السنين من إنشاء سورية الحديثة عام 1946، عرفت تلك البلاد إرثا موسيقيا ثريا. وعبر آلاف السنين، مرت بها أديان وطوائف، واستوطنتها عرقيات شتى، بينهم مسلمون ومسيحيون ويهود وعرب وأشوريون وأرمن وأكراد، وغيرهم ممن أسهموا في تنوع موسيقاها.

أغنيات سورية القديمة:

في خمسينيات القرن الماضي عثر علماء الآثار على 29 لوحًا من الصلصال ترجع لنحو 3400 عام مضت، داخل ما يشبه مكتبة صغيرة وسط أطلال مدينة "أوغاريت" القديمة على ساحل المتوسط. و تحطم أغلبها إلى قطع صغيرة، إلا لوحا واحدا صُنف تحت اسم (إتش-6) كان قد انقسم إلى قطع كبيرة، وحين جُمعت معا، شوهدت فوقها أبيات شعرية مصحوبة بما يعتقد الباحثون أنه أول نموذج لكتابة موسيقية في العالم.

ومثلت قطع الصلصال تلك بدايات إرث موسيقي لا يضاهيه إرث آخر. وأمضى الأكاديميون سنوات محاولين جمع بقايا ذلك اللوح، وفك شفرة ما كُتب عليه من كلمات وموسيقى، والتي اكتشف الباحثون أنها نُقشت بالخط المسماري البابلي، وهو الخط الذي انتشر في المنطقة قبل آلاف السنوات.

ويقول ريتشارد دامبريل، أستاذ الآثار الموسيقية بجامعة بابل بالعراق، والذي ظل يدرس ألواح مدينة "أوغاريت" العتيقة لأكثر من عقدين: "أمكننا قراءة الخط المسماري البابلي بهذا اللوح دون فهم اللغة التي نُقش بها بالتفصيل"، واصفا كيف حاول مرارا تصور الشكل الأصلي للألواح ليترجم النص والموسيقى، مستعينا بصور التقطها للقطع التي حاول تجميعها، "غير أن بعضها كان تالفا بشكل حال دون قراءته".

وتمثلت صعوبة الترجمة في أن النص كان باللغة الحورية التي انحدرت من شمال شرقي القوقاز (في أرمينيا الحالية على الأرجح) قبل وصولها إلى سهول سوريا الخصيبة.

 ويقول دامبريل: "هاجر مستوطنون باتجاه شمال غربي سورية على مدار ألفي عام، وتبنوا النقوش البابلية لكتابة نصوصهم وموسيقاهم. ومن ثم كان من غاية الصعوبة ترجمة المكتوب. لكن أمكنني التأكد من أن النص المصاحب ضم تسميات موسيقية حورية-بابلية تأكدت من كونها لحنا موسيقيا، واستغرقت ترجمته قرابة عشرين عاما".

فما الذي يمكن أن نعرفه عن هؤلاء القدامى من خلال أقدم ما لدينا من موسيقي؟ يستخلص دامبريل من ترجمته أنهم كان يتغنون في مناسبات شتى ولا يقتصر غناؤهم على الإنشاد الديني. ويقول إن إحدى الأغنيات تحكي عن فتاة حانة تبيع الجعة. أما اللوح الذي يحمل اسم (إتش-6) فيروي قصة مختلفة.

وأضاف دامبريل: "يحكي اللوح عن فتاة شابة لا تُنجب، وتظن أن عدم إنجابها جراء إثم ما ارتكبته دون أن يأتي اللوح على ذكره. وما نفهمه من النص، وهو القدر المحدود، تذهب الفتاة ليلا لتبتهل للإلهة نيغال، إلهة القمر، حاملة قدرا من بذور السمسم أو زيت السمسم كي تقدمه لها. هذا كل ما نعرفه عن النص".

ورشة موسيقية قديمة

ولم تمتز سورية بأنها أخرجت للعالم أول لحن موسيقي فحسب، بل أبدعت تلك المنطقة على مر الزمن آلات موسيقية متنوعة لعزف الألحان، منها قيثارة تشبه الطوق تقطعه عارضة شدت إليها الأوتار، والأعواد التي تطورت حتى وصلت لشكل العود العربي الحالي ذي الطابع الشرقي المميز.

وعثر الباحثون خلال القرن العشرين على مجموعة من السجلات تشير إلى احتراف صناعة الآلات الموسيقية بدويلة "ماري" التي تعود إلى العصر البرونزي والتي كانت تقع على ضفاف الفرات شرقي سورية الحالية.

وواصل دامبريل: "وجدنا في القصر (في ماري) عددا ضخما من الألواح كانت في أغلبها عبارة عن رسائل وإيصالات لبعض الخامات التي يستخدمها الحرفيون، مثل الجلود الدقيقة وجلد الحيوانات الخشن والأخشاب والذهب والفضة، لصنع الآلات الموسيقية، ما أعطانا تصورا جيدا عن تلك الآلات التي استُخدمت قبل أربعة آلاف عام".

 وتابع "كما وصلتنا أسماء الحرفيين، والآلات التي اشتهروا بصناعتها متأثرين بنماذج لآلات أخرى من خارج سورية"، من بينها "الباراشيتوم" الإيراني، وهي قيثارة شاع استخدامها بين النساء الثريات في ماري.  وكما استمر إنتاج الآلات الموسيقية مزدهرا في سورية على مدى قرون، تشهد على ذلك قطع أثرية يمكن للزائر الاطلاع عليها اليوم.

ويضم متحف قصر دبانه بمدينة صيدا اللبنانية الساحلية مجموعة من الآلات الموسيقية التي تعود للعصر العثماني من القرن التاسع عشر، ويمكن لزائر القصر الاطلاع على التراث الموسيقي للبنان وسورية قبل ظهورهما كدولتين حديثتين، بما في ذلك أعواد سورية مزينة بزخارف من العاج.

وواصل غسان دماسي، المرشد بقصر دبانه: "يتساءل الزوار عن سبب وجود هذا العدد الضخم من الآلات الموسيقية، فنقول لهم إنه بيت عثماني حيث تتسامر النساء بالغناء" مبينا بحركته كيف كانت النساء تعزف الموسيقى بينما يستلقي الرجال للطرب.

موسيقى في المنفى

وفي العام الماضي، سعت السلطات السورية لإضافة حلب، ثاني كبرى المدن السورية، لقائمة اليونسكو للمدن المتميزة كمدينة موسيقية، رغبة منها في إحياء تراث المدينة، إذ اشتُهرت حلب في القرن السابع عشر بموشحاتها التي جمعت أبيات الشعر الأندلسي والشعر العربي الأصيل، ولاحقا الشعر باللهجتين السورية والمصرية، على أنغام العود، والقانون، والكمان، والدف في نمط موسيقي شاع بين مسلميها ومسيحييها.

واليوم، تُبذل جهود لإحياء التراث الموسيقي السوري من خارج سوريا، حيث تدور رحى الحرب منذ ثماني سنوات، ويكافح السكان للبقاء على قيد الحياة، وليس بوسعهم إحياء تراثهم الموسيقي. ورغم المصاعب، يبذل شبان سوريون جهودا محمودة لإعادة تسليط الضوء على التاريخ الموسيقي الرائد لبلادهم.

 وأصبحت بيروت، المعروفة بتبنيها للفنون، حاضنة للإرث الموسيقي لسورية، إذ تأسست عام 2015 مبادرة تحت اسم "مِعْزَف"، كمبادرة موسيقية ثقافية لإحياء وتجديد الموسيقى الأصيلة والتعريف بها، من خلال الاهتمام بالإرث الموسيقى الشامي وإرث منطقة الهلال الخصيب ككل، باعتبار أن الموسيقى الشرق أوسطية الثرية سابقة على الحدود التي ظهرت بين دول المنطقة في القرن العشرين.

ويقول غسان سحاب، أحد القائمين على المبادرة، ومدرس أصول الموسيقى والمؤلف وعازف القانون: "الكثير من الأنماط الفنية كانت تنشأ في دمشق أو حلب وتنتقل إلى القاهرة، ثم تنشأ أنماط أخرى في القاهرة وتؤدى في المشرق. فثقافتنا غنية وجديرة، وحري أن نعي تاريخنا حتى نتمكن من الاستمرار. أما الآن، فالتركيز ينصب على الحفاظ على التراث والثقافة".

وفي بيروت أيضا تشكلت فرقة "الصعاليك"، التي تضم خمسة سوريين ونرويجية، متخذة هذا الاسم خروجا عن المألوف، وأسوة بالصعاليك الذين عُرفوا قبل الإسلام بالجزيرة العربية. ويقول عبد الله جطل (ويناديه أصحابه باسم عبودي)، وهو عازف الإيقاع بالفرقة: "نحن أشبه بالصعاليك نبذتنا مجتمعاتنا وأوطاننا لأسباب شتى".

وكشفت منى المرستاني المغنية بالفرقة: "من المهم الحفاظ على الموسيقى السورية القديمة لأنها هويتنا وتاريخنا وحضارتنا وكل ما نملك. فالأمر لا يتعلق ببلد عادي بل بأحد أعرق البلدان، ولابد من إظهار العراقة ليتمتع بها الناس". ويرى أفراد فرقة "الصعاليك" في الموسيقى أداة لمقاومة الظلم الذي يقع يوميا على الناس في المنطقة. ويقول جطل: "هذا هو الهدف من كلماتنا وأغانينا؛ أن نحارب المساوئ، من قبيل التحرش بالنساء، كما كان الصعاليك في الماضي. لذا اتخذنا هذا الاسم".

 وفضلا عن الأغاني الجديدة، تؤدي الفرقة أشكال الموسيقى الشعبية السورية منذ عام 2013، لتنقل للجمهور اللبناني الموسيقى السورية المتنوعة بمجموعاتها السكانية العديدة.  ولقد سار التراث الموسيقي السوري دربا طويلا منذ أن تغنى القدماء على ألواح مدينة "أوغاريت". واليوم تعيد فرق مثل الصعاليك إحياء تلك الموسيقى ونقلها إلى مستمعين جدد.

ولا تكتفي تلك الفرق بإحياء القديم منها بل وتستحدث الجديد مما قد يزيح أثريو المستقبل الغبار عنه بين ملفات الكمبيوتر والأرفف القديمة بحلب ودمشق وبيروت، بل وباريس ولندن وبرلين.  وتلخص منى المرستاني ذلك الجهد بالقول: "يسألونني عن سورية، فأقول سورية الموسيقى! سورية الفن!".

egypttoday
egypttoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإرث الموسيقي لسورية يعكس تاريخًا حيًا وثقافات متنوعة الإرث الموسيقي لسورية يعكس تاريخًا حيًا وثقافات متنوعة



الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإرث الموسيقي لسورية يعكس تاريخًا حيًا وثقافات متنوعة الإرث الموسيقي لسورية يعكس تاريخًا حيًا وثقافات متنوعة



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon