هناك 18 مليون فردًا من ذوي الاحتياجات الخاصة في مصر, وهم من الفئات المُهمشة التي لا تجد من يرعاها، ويشعرون دومًا بالنبذ من قبل المجتمع, على الرغم من أن من بينهم مواهب وأصحاب إرادة قوية، ولقد وصل عدد كبير منهم إلى مراتب عليا، واستطاعوا إثبات أنفسهم، ونجحوا في عدة مجالات رياضية، وعلمية، وفنية، وغيرها، هؤلاء الأطفال فلذة أكبادنا مُهمشين في المجتمع، ولكن ظهرت بارقة أمل على يد أميرة شوقي.
"أميرة شوقي" مُخرجه مسرح في الهيئة العامة لقصور الثقافة، وأول من أسست فريق مسرحي يُدمج الأطفال المعاقين ذهنيًا والمصابين بالتوحد، وبطئ التعلم وهو الذي يعاني من قصور وانخفاض في نسبة الذكاء، حيث يكون ذكاءه أقل من المتوسط, ومرضى الصم، والبكم، والشلل الدماغي, وطفلها وأحد من أعضاء الفريق، وهو يعاني من التوحد, وأميرة هي مؤسسة مجموعة ورش "في الفن حياة" وورش حكي، ومؤسسة فريق "الشكمجية" لذوي الاحتياجات الخاصة، وجاء اسم الفرقة ليُعبر عن قيمة وأهمية الفرقة التي كانت تتكون في بدايتها من 4 فتيات فقط, وكان أول عرض للفرقة في المركز الثقافي الفرنسي، يُضم فريق الشكمجية الآن (50 حالة) تعمل فيه أميرة شوقي بمفردها على دمجهم مع ذويهم، وتعليمهم فنًا تشكيليًا وتصنيع عرائس، تمثيل وخيال وإدراك وتواصل, تدريبات مشاعر بالموسيقى، أداءً حركيًا، وفنونًا شعبية، حكيًا مسرحيًا، الوقوف أمام الكاميرا, واستطاعت أميرة تعليمهم رقص التنورة رغم صعوبة الأمر عليهم لمن يُعاني منهم من اختلال في التوازن.
أميرة مثل أي أم مصرية شعرت بالصدمة، عند ما علمت أنّ ابنها (ياسين) مُصاب بالتوحد، ولكنها لم تقف صامته, بل حصلت على دبلومة لمعاملة ذوي الاحتياجات الخاصة، لتعرف كيف تتعامل مع ابنها المصاب بالتوحد، وهذا رغم أنّ عملها في الأساس لم يكن له أي علاقة بالتعامل مع ذوي الاحتياجات, وهذا لأنها في الأصل مُخرجه تعمل منذ عام 2000 في الأدب المترجم، وفي الأدب العالمي، وفي المسرح النسائي، وعملت أكثر من تجربة مسرحية، وكانت تتناول خلالها قضايا خاصة بالمرأة مثل مسرحية "الخادمات لجان جينيية", و"القديسة رفقة" وأيضًا كتبت أميرة مسرحية "شاهد عيان" عن "فصيلة على طريق الموت" لألفونسو ساستر.
وحصلت أميرة على جوائز من المهرجان الفرنسي, وعندما رزقها الله بطفل توحدي، وهو طفلها الوحيد، وعرفت بمرضه وهو في عمر العام ونصف, تعايشت مع الحالة، وحصلت على دبلومة من جامعة عين شمس في التوحد والتربية خصوصًا، وتعديل السلوك، وقراءة كتاب "جذور الأداء التمثيلي والمسرحي"، للوجين ويلسون، وفحواه هو كيفية الحصول على الأداء المسرحي، وهذا من خلال الدخول في كل شخصية، ودراستها جيدًا ومعرفة أبعادها.
وقررت أميرة في هذا الوقت الدخول في كل شخصية من أطفال ذوي الإعاقة، ومعرفة سماتها وأبعادها، وهذا بعد قراءة التقرير الطبي لكل حالة منهم، ثم منذ ذلك الوقت، بدأ تحول نشاط الفرقة من عام 2009 ليصبح كل أعضائها من ذوي الاحتياجات الخاصة، حيثُ تتعامل أميرة مع عدد مختلف من الحالات لذوي الاحتياجات الخاصة، وتدرس كل شخصية منهم، وكأنها قصة، وعلى حسب كل شخصيه يكون العلاج، ومن تلك الحالات المنغولي, ومصابي الدمور العقلي، ودمور العضلات, وأصحاب الإعاقة الحركية والبصرية, وبطىء التعلم, وحالة أخرى نادرة وهي (النيرفا) وهي نقص في بعض المواد في الجسم، ومناعتهم ضعيفة، ويعانوا من انحناء في العمود الفقري, كما يوجد عدد من الإعاقات المتنوعة لنفس الشخص. وتروي أميرة أنّ كل الأطفال بعد اشتراكهم في الفريق تغيرت طباعهم وتحسنت حالتهم الشخصية، خصوصًا أطفال الصم فكانوا متسمين بالعنف والعند، وعدم الطاعة، ولكن الأمر اختلف والمسرح علمهم الالتزام.
وتُشير أميرة إلى أنها قررت أن يصبح أعضاء الفرقة من ذوي الاحتياجات الخاصة، بعد أن اكتشفت أثناء دراستها لبرامج التأهيل، لتُصبح أخصائية توحد، أنّ أغلب طرق العلاج والمعاملة مع ذوي الاحتياجات الخاصة هي باستخدام طرق الفن، وبدأت تُطبق على ابنها هذا الأسلوب، ووجدت استجابه منه، ففكرت في تعميم الفكرة، وتعليم أمهات المعاقين طرق معاملة أولادهم.
وكونت أميرة الفرقة، باختيار كل أعضائها من ذوي الإعاقة، وكان الهدف أن يتم دمج ذوي الإعاقة معًا، وأن يتقبلوا بعضهم لأنّ ذوي الإعاقة يجدون صعوبة في تقبل بعضهم فالأصم لا يتقبل الذهني والعكس، فكان من المهم أن يتم ذلك ثم بعد ذلك تدمجهم في المجتمع العادي, والهدف الآخر من الفرقة هو أن تعمل الفنون على تحسين حالاتهم، وإعاقاتهم, وذلك عن طريق طريق اختيار البرامج التي تطبق في مناهج التربية الخاصة مثل برنامج "ماري ميتسوري ولوباس"، وتُطبقها عليهم بالفن، وكذلك علاج الخلل الحسي، وعلاج الحواس المختلفة، لأنّ هناك أعضاء في الفرقة لديهم إعاقات حسية مختلفة، وتُعالج ذلك عن طريق الإضاءة والصوت.
وأضافت أنّ ذوي الاحتياجات الخاصة، يعانوا من مشاكل كبيرة في المجتمع، خصوصًا في الأماكن العشوائية والفقيرة، والتي هي أكثر تضررًا من الناحية الثقافية والاجتماعية، كما أنّ أهالي الأطفال من ذوي الاحتياجات يروا أنهم فقط بركة في البيت، ولا يؤمنوا بأنّ هؤلاء الأطفال لديهم مواهب، وإنهم عباقرة بالفعل.
وكشفت أميرة أنه منذ بداية الفكرة، وحتى الآن، لا يوجد أي جهة تدعمها، ولا أي شخصية عامة, فالتمويل ذاتي وهي مصدر التمويل الوحيد، وهذا بعد أن رفض المجلس القومي لمُتحدي الإعاقة والهيئات الرسمية تمويل الفريق, كما أنّ وزارة الثقافة لم تتبن الفريق على الإطلاق.
ولامت أميرة الدولة والحكومة لعدم اهتمامهم بالأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، وخصوصًا الأطفال التوحديين، وعدم إنشاء مدارس مخصصة لهم أو برامج تأهيلية مجانية لهم، كما أنها لم تحصل على أي جائزة تشجيعية من الدولة أو من أي جهة على عملها مع الأطفال المعاقين معًا في إنتاج عدد من المسرحيات الناجحة مثل مسرحية "الواد اللي في راسه عرايس"، والآن يتم التحضير إلى مسرحية "3 ألوان"، ولم تحصل أميرة إلا على شهادات تقدير من بعض الإدارات التعليمية على مجهودها.
وتمنت من وزير "التربية" والتعليم، الاهتمام بالمدارس الفكرية، مُشيرة إلى أنّ حلم عمرها هو إنشاء مدرسة لذوي الاحتياجات الخاصة، للعلاج بالفن، لتكون أكاديمية مسائية تضُم كل الحالات الخاصة لرعايتهم، فهم ثروة لا يستهان بها، وذو إراده قوية وأصحاب مواهب حقيقية، وخصوصًا بعد حصول مسرحية "الواد اللي في رأسه عرايس" على جائزة أفضل عرض لذوي الاحتياجات الخاصة لفرقة "الشكمجية" الخاصة، في مهرجان "آفاق" في دورته الثالثة، آملةً في أن لا ينتهي اهتمام المسؤولين عن ذوي القدرات الخاصة بانتهاء المناسبة الاحتفالية، بل يشارك ذوي الاحتياجات الخاصة في كل جوانب الحياة الثقافية.
أرسل تعليقك