توقيت القاهرة المحلي 13:53:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ماهو التعلّم النشط من منظور إسلامي؟

  مصر اليوم -

  مصر اليوم - ماهو التعلّم النشط من منظور إسلامي؟

التعلّم النشط من منظور إسلامي
القاهرة - مصر اليوم

يُعدُّ مصطلح التعلم النشط من المصطلحات التي شاعت كأحد الاستراتيجيات العلمية لإعادة التوازن المفقود بين المعلّم والمتعلم، والذي يستجيب في الوقت نفسه لعوامل أخرى متعددة زادت من ضرورة استخدام هذا النوع من التعلّم، كما يُعدُّ أحد المهارات الأساسية المهمة للتعلّم الفعّال المرجو في مجتمع يهدف إلى التعلّم المستمر، ومواكبة التقدم العلمي والتكنولوجي.

والتعلّم النشط كأسلوب تعلّم مارسه الإنسان منذ أن وُجد على ظهر الأرض، واستمر على مرِّ العصور، فالمتأمل لحياة الإنسان يجد أنه سعى لاكتساب الكثير من المعلومات والمعارف والمهارات اللازمة لأمنه وبقائه واستمراريته من خلال نشاطاته واستقصاءاته ومحاولاته الفردية والجماعية لاكتشاف العالم المجهول المحيط به، بما يتضمن من ظواهر ومشكلات.

وإن المتأمل في الفكر التربوي الإسلامي يجد أن هذا الفكر زاخر بفكر وتصور تربوي متكامل شامل، يتضمن القواعد والأسس والمبادئ والنماذج والمواقف التربوية التي تصلح لكل زمان ومكان. فلقد كان للتربية الإسلامية دورها البارز في تطور الفكر التربوي، وقد أضاف علماء التربية الإسلامية إضافات كثيرة إلى مجال التربية والتعليم، وفطنوا إلى كثير من أسس التربية، وكشفوا عنها برأيهم واشتغالهم بالبحث والتقصي والتجربة، وبسطوا هذه الآراء الناضجة، وانتفعوا ونفعوا بها في مجال التربية والتعليم.

اقرأ أيضًا:

كيف تعرف أن طفلك يعاني من صعوبات التعلم؟

فالتعلّم النشط وأسسه واستراتيجياته لم يكن بعيدًا عن مبادئ واهتمامات التربية الإسلامية، ومصادرها الرئيسة المتمثلة في القرآن الكريم والسنة النبوية. ويظهر اهتمام الإسلام بالتعلّم النشط بدعوته للمسلم من خلال النصوص الكثيرة إلى طلب العلم واستغلال المعارف البشرية في شتى المجالات التي تساعد الإنسان المسلم على فهم ما يحيط به وتطويره وتسخيره لخدمة الرسالة التي خُلق الإنسان من أجلها، سواء أكان هذا العلم دينيًا أم دنيويًا، نظريًا أم تجريبيًا، فرض عينٍ كان أم فرض كفاية، بل والسفر لاكتسابها أحيانًا،. فعن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم :” من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له طريقًا إلى الجنة” (سنن ابن ماجة، 1995م، ح223، المقدمة، باب فضل العلماء والحث على طلب العلم، صحيح، ص81).
وقد ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة الكثير من المواقف التعليمية التي يظهر فيها السؤال والاستفسار، والحوار والمناقشة، والتعلّم الذاتي، وتعلم الأقران، والتعلم التعاوني، والحث على التجربة في العلم والمعرفة، وغيرها من المواقف التعليمية التي تحث المسلم على العلم والتعلّم النشط والتفكُّر في مخلوقات الله، وتحثه على استخدام طاقاته في اكتشاف هذا الكون الواسع الذي هو من بديع صنع الله ـ عزَّ وجلَّ ـ ومن أمثلة ذلك: قوله سبحانه تعالى: (وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك سعيا واعلم أن الله عزيز حكيم) ( سورة البقرة، الآية:260). طلب نبيُّ الله إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ من ربه أن يريه ببصره كيف يحيي الموتى، سأل الخليل عن الكيفية مع إيمانه الجازم بقدرة الله لأنه قد تيقن ذلك بخبر الله ولكنه أحب أن يشاهده عيانًا ليحصل له مرتبة عين اليقين. فقصة إبراهيم ـ عليه الصلاة والسلام ـ إقرار من القرآن الكريم على مشروعية الحوار والمناقشة والتعلّم الذاتي والممارسة العملية (التجريب) التي يتعلم المسلم من خلالها بنفسه، كما أنها تدل دلالة واضحة ومباشرة على مشروعية وأهمية التعلّم النشط للفرد في تحصيل العلوم والمعارف واكتساب المهارات وتنمية الاتجاهات، حيث إن المعرفة التي يبذل الفرد جهدًا ونشاطًا في سبيل الحصول عليها هي التي تُحدث التعلّم الحقيقي.
كما أن في الحديث الذي رواه مالك بن الحويرث ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: “ارْجعوا إلى أَهلِيكم، فعَلِّموهم ومُرُوهُم، وصَلُّوا كما رأيتُموني أُصَلِّي” (صحيح البخاري، 2010م، ح6008، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم، ص971)، ما هو إلا أساس لما يسمى بالتعلّم القائم على الملاحظة أو التعلّم بالنمذجة حاليًا، ففي هذا الحديث أرشد النبي ـ صلى الله عليه وسلم  ـ إلى محاكاته في الصلاة وهذا ما نجده جليًا في التعلّم النشط (التعلّم بالملاحظة أو التعلّم بالنمذجة)، فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كثيرًا ما كان يستخدم مثل هذه الأساليب النشطة وغيرها في الحلقات التربوية التي كان يعقدها لتربية أجيال المسلمين، وهي طرق تدفع بالمتعلم إلى المشاركة الفاعلة بالأسئلة والاستماع والفهم والتجريب والتساؤل عما لا يدركه من حقائق.

ولقد استخدم المسلمون معظم هذه الطرق والأساليب النشطة ـ التي تنادي بها التربية الحديثة ـ في تعليم الكبار والصغار على مدى القرون السابقة، ففي القرن الهجري الأول، عندما اندفع المسلمون إلى خارج جزيرة العرب ليضعوا أساس الدولة الإسلامية الكبرى، أقيمت المساجد والمدارس والكتاتيب في كل مكان وصلت إليه الفتوحات الإسلامية، وفي هذه الكتاتيب والمدارس كان يُدَرّس أصول الفكر الإسلامي، ويُبَصّر الإنسان بما له وما عليه من حقوق وواجبات، وكان التعليم في معظمه يقوم على المناقشة والحوار، والتعاون، والتجريب، والمناظرة، وحل المشكلات، والعصف الذهني وغيرها.

لقد أثَّرَتْ تعاليم الدين الإسلامي في المسلمين منذ الرعيل الأول لهم، فطفقوا يتعلَّمون ويعلِّمون، وأَثْرَوْا البشرية بخلاصة فكرهم، الذي اعتمد عليه الغرب في كثير من الأحيان. ولعل الإمام الغزالي وابن سحنون والماوردي والزرنوجي وابن خلدون وابن عبد البر والخطيب البغدادي وابن الهيثم وابن حيان وغيرهم ـ رحمهم الله ـ من الأمثلة الرائدة التي نبهت إلى أهمية التعلّم النشط، وأشاروا إلى بعض الأمور المتعلقة به، بل ومارسوه في تحصيلهم واكتسابهم للعلم والمعرفة. فالمستقرئ لتاريخ التعليم الإسلامي عبر عصوره المتقدمة، يجد العديد من الطرق التدريسية والتي يمكن تصنيفها حاليًا ضمن قوائم التعلّم النشط، مثل: تهيئة البيئة التعليمية المناسبة، ومراعاة الفروق الفردية، وفهم طبيعة المتعلمين وأهدافهم من التعلّم، والاهتمام بميولهم وقدراتهم، وإثارة الدافعية للتعلّم، وحرية الاختيار، والنشاط الذاتي، والتدرج في التعلّم، والتعلّم بالملاحظة والتجربة، وتعليم الأقران، والتعليم المصغر، والتعلّم التعاوني، ومعرفة المتعلّم بمدى تقدمه (التقويم الذاتي). ففي الأدب التربوي الإسلامي عند هؤلاء المربين والمفكرين الكثير من الأفكار السديدة والقابلة للتطبيق والاستمرار، فهذا الإمام الغزالي يؤكد على أن التعلّم لا يكون جيدًا ومؤثرًا إلا إذا جاء عن طريق المشاركة والممارسة الفعلية للمتعلم بحيث يكون الهدف منه تكوين عادات سلوكية، وليس مجرد تلقين وحفظ للمعارف.

وألَّف الإمام الزرنوجي ـ رحمه الله ـ المتوفى سنة (591 هـ) كتابه “تعليم المتعلم طريق التعلّم” ليدل عنوانه على ما تنادي به النظريات الحديثة من تعليم المتعلم كيف يتعلم، فالأصل في التعلّم عنده ـ أي الإمام الزرنوجي ـ أن يتعرف المتعلم طرق التعلّم وأساليبه، ليصبح معلّم نفسه. ولا شك أن المتعلّم إذا اكتسب منهجية التعلّم وطرقه، سوف يساعده ذلك على التعلّم مدى الحياة وبشكل فعال. كما يُعدُّ كتاب الإمام الزرنوجي ـ رحمه الله ـ أول كتاب في طرق التدريس يتحدث عن التعلّم النشط وآدابه وأساليبه ويجمع بين النظرية التربوية التطبيقية وبين الرؤية التعبدية الشرعية بصورة متجانسة مندمجة تجسد التكامل الحقيقي بين الجانبين الإيماني والسلوكي.

ودعا ابن مسكويه، وابن الطفيل ـ رحمها الله ـ إلى ترك المتعلم يتعلّم من خلال تفاعله مع البيئة الطبيعية، لأن هذا التفاعل يؤدي إلى اكتساب المتعلم خبرات عميقة وطويلة الأثر، مما يتيح مجالاً للمتعلم للاحتفاظ بها لمدة أطول.

وقد انتقد ابن خلدون ـ رحمه الله ـ الركود الذهني وانحدار مستوى التعليم في القرن الثامن الهجري، ونسب ذلك إلى رداءه الطرق في التدريس؛ لأنها أهملت الطرق النشطة في طريقة التعليم، فابن خلدون يرى أن الطرق النشطة، كالحوار والمناقشة والمناظرة والتجريب والتعلم الذاتي والتعلم التعاوني وحل المشكلات وغيرها من أفضل طرق التدريس في فهم العلوم واستيعابها والقدرة والتمكن من التعبير عنها، على عكس طرق الحفظ والتلقين التي تنتج أفرادًا ضيقي الأفق عقيمي التفكير.

لقد كان لمفكري الإسلام ومربيه الأوائل توجهات وآراء في التعلّم النشط والعوامل التي تؤثر فيه وتهيمن عليه، وهي توجهات لو طرحت الآن في صفحات الفكر التربوي المعاصر لدلَّت على سبق علمائنا ـ رحمهم الله ـ في مجال النظريات والدراسات التربوية، ولدلَّت على القيمة التربوية العالية التي يحملها التراث الإسلامي، وعلى الأصول والأفكار والمبادئ التربوية التي قلَّ منها ما لقي عناية المختصين في العصر الحديث.

قد يهمك أيضًا:

هل ممارسة الرياضة تحسن قدرة الأطفال على التفكير؟

ماهي أهم مهارات اللقاء الأول بين المعلم والمتعلمين؟

egypttoday
egypttoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماهو التعلّم النشط من منظور إسلامي ماهو التعلّم النشط من منظور إسلامي



GMT 08:49 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ماهي سبل زيادة فاعلية العملية التعليمية ؟

GMT 09:58 2019 الجمعة ,10 أيار / مايو

ماهي نظرية العبء المعرفي؟

GMT 12:30 2019 الخميس ,02 أيار / مايو

هل تسمح لأطفالك الصغار بمساعدتك؟

GMT 09:18 2019 الجمعة ,12 إبريل / نيسان

ماهي مجتمعات التعلم المهنية؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماهو التعلّم النشط من منظور إسلامي ماهو التعلّم النشط من منظور إسلامي



يتميَّز بطبقة شفّافة مُطرّزة وحواف مخملية

كورتني كوكس تُهدي فُستانًا ارتدته قبل 20 عامًا لابنتها كوكو

نيويورك ـ مادلين سعاده

GMT 03:24 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

"دولتشي آند غابانا" تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019
  مصر اليوم - دولتشي آند غابانا تُقدِّم عبايات لخريف وشتاء 2019

GMT 06:16 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة
  مصر اليوم - أغلى فيلا في تايلاند مقصد للمشاهير ومُحبي الفخامة

GMT 09:04 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية
  مصر اليوم - ديكورات مستوحاة من الطبيعة للجلسات الخارجية

GMT 02:48 2019 الإثنين ,17 حزيران / يونيو

أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى
  مصر اليوم - أرخص 10 بلدان أوروبية لقضاء عُطلة صيفية لا تُنسى

GMT 03:37 2019 الأحد ,16 حزيران / يونيو

7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - 7 محظورات و 5 نصائح لتأثيث غرف نوم مميزة للأطفال
  مصر اليوم - رفض دعاوى بي إن القطرية ضد عربسات بشأن بي أوت

GMT 12:48 2019 الخميس ,10 كانون الثاني / يناير

تعرف على تاريخ مصر القديمة في مجال الأزياء والموضة

GMT 03:59 2018 الأحد ,28 كانون الثاني / يناير

تفاصيل جديدة في حادث الاعتداء على هشام جنينه

GMT 10:53 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

العلماء يحذرون عشاق "شاي الأكياس" من المخاطر الصحية

GMT 15:26 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

ميلان يضع خُطة لإعادة تأهيل أندريا كونتي

GMT 09:19 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

وصول جثمان إبراهيم نافع إلى مطار القاهرة من الإمارات

GMT 08:13 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

التغذية غير الصحية كلمة السر في الشعور بالخمول

GMT 09:09 2017 الخميس ,28 كانون الأول / ديسمبر

طارق السيد ينصح مجلس إدارة الزمالك بالابتعاد عن الكرة

GMT 00:47 2017 الثلاثاء ,26 كانون الأول / ديسمبر

أمن الإسماعيلية يرحب باستضافة المصري في الكونفدرالية

GMT 18:22 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

القدر أنقذ ميسي من اللعب في الدرجة الثانية

GMT 09:28 2016 الخميس ,18 شباط / فبراير

عرض فيلم "نساء صغيرات" في الإسكندرية

GMT 12:20 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

طلائع الجيش يبحث عن مهاجم سوبر فى دوري المظاليم

GMT 15:09 2019 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

فان ديك يحصد لقب أفضل لاعب بنهائي دوري الأبطال

GMT 15:15 2019 الأربعاء ,03 إبريل / نيسان

مشروع "كلمة" للترجمة يصدر "كوكب في حصاة"

GMT 20:20 2019 السبت ,09 شباط / فبراير

صدور رواية "الطفلة سوريا" لعز الدين الدوماني
 
Egypt-Sports

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

All rights reserved 2024 Arabs Today Ltd.

egyptsports egyptsports egyptsports egyptsports
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon