واشنطن _ مصر اليوم
في أوائل الثمانينات كانت الشركات الاستشارية الكبرى مرتابة بشأن نجاح الهواتف الجوالة، فقد لاحظت شركة «ماكنزي آند كومباني» أن هذه الهواتف ثقيلة، وبطارياتها لا تدوم طويلا، وما تغطيه من مساحات غير مكتمل، كما أن كلفتها عالية جدا. وتوقعت أنه خلال الـ20 سنة المقبلة، سيقدر حجم سوقها بنحو 900 ألف وحدة فقط، ونصحت شركة «إيه تي آند تي» الانسحاب من هذا المشروع. وكانت «ماكنزي» على خطأ؛ ففي عام 2000 كان هنالك أكثر من 100 مليون هاتف، واليوم هنالك المليارات، فقد تدنت كلفتها كثيرا، حتى الفقراء في العالم، بات بإمكانهم امتلاك هاتف جوال.
وتقول فيفيك وادهوا في «واشنطن بوست» ان الخبراء يقولون الشيء ذاته حاليا فيما يخص الطاقة الشمسية؛ فقد لاحظوا، بعد عقود من التطوير، أن الطاقة هذه بالكاد تمد اليوم حاجة واحد في المائة من احتياجات العالم إلى الطاقة، فهي غير ذات كفاءة وعالية الكلفة لدى تركيبها، ولا يمكن الركون إليها، وأنها ستفشل من دون الدعم المالي الحكومي. لكنهم على خطأ كبير؛ إذ توجد هذه الطاقة وتُستخدم في كل مكان، تماما مثل الهواتف الجوالة.
* طاقة الشمس
* يلاحظ راي كيرزويل، صاحب الرؤى المستقبلية، أن الطاقة الشمسية تضاعفت مرتين كل سنتين، خلال السنوات الـ30 الماضية، مع تدني النفقات والتكاليف. ويضيف أنها على مبعدة 6 تضاعفات أو أقل من 14 سنة، من تلبية حاجات اليوم إلى الطاقة بنسبة مائة في المائة. فاستخدام الأخيرة سيبقى في ازدياد، مما يعني أنها طاقة متحركة. لكن حسب تقديرات كيرزويل ستقوم مصادر الطاقة المتجددة بتأمين طاقة تفوق حاجة العالم، في فترة تقل عن 20 سنة. وحتى عند ذاك، سنكون نستخدم جزءا واحدا من 10 آلاف جزء من أشعة الشمس التي تسقط على الأرض. وفي أماكن مثل ألمانيا، وإسبانيا، والبرتغال، وأستراليا، وجنوب غربي الولايات المتحدة، وصل معيار إنتاج الطاقة الشمسية بالنسبة إلى السكان، إلى حد التكافؤ الكهربائي مع الشبكة، على صعيد الأسعار الاستهلاكية.
وبعبارة أخرى، فهي لا تكلف على صعيد المدى الطويل، لدى تركيب الألواح الشمسية أكثر من شراء الكهرباء من شركات توزيعها، فقد تدنت أسعار الألواح الشمسية بنسبة 75 في المائة خلال السنوات الـ5 الماضية فقط، وستتدنى أكثر مع تحسن تقنية صنعها، وزيادة مقياس إنتاجها. ففي عام 2020 ستكون أسعار هذه الطاقة منافسة للطاقة التي تولد من الوقود الأحفوري (وقود باطن الأرض)، على أساس الأسعار غير المدعومة حكوميا، وذلك في غالبية المناطق العالمية. وخلال العقد المقبل، ستكلف هذه الطاقة جزءا من الطاقات الأخرى المعتمدة على الوقود الأحفوري.
* طاقة متجددة
* وليس إنتاج الطاقة الشمسية وحده يحرز تقدما مثل هذا بوتيرة سريعة، بل هناك أيضا التقنيات الأخرى التي تسخر طاقة الرياح، والكتل الحيوية، والحرارة الجوفية، وحركة المد والجزر، والطاقة المستمدة من تحلل الفضلات والنفايات، ومشاريع الأبحاث في جميع أنحاء العالم تعمل على تحسين كفاءتها وفعاليتها. فطاقة الرياح (على سبيل المثال) قد انخفضت كلفتها وأسعارها بصورة حادة، وأضحت اليوم منافسة لكلفة محطات توليد الطاقة من حرق الفحم في الولايات المتحدة. كل ذلك يعني أن الإنجازات التي ستتحقق في كثير من حقول التقنيات المختلفة من شأنها تسريع التقدم الإجمالي في كل هذه المشاريع.
ورغم شكوك الخبراء وانتقاد البعض، فإنه لا يوجد أي شك في أننا متوجهون إلى عصر من الطاقة النظيفة الوفيرة التي لا حدود لها، وسيكون لهذا الأمر تداعيات عميقة.
أولى هذه التداعيات، اضطراب صناعة الوقود الأحفوري برمتها، بدءا من مرافقها وشركاتها، التي ستواجه انخفاضا في الطلبات. وكثير من هذه الشركات شرعت ترى هذه الإشارات في الأفق، والذكية منها شرعت تحتضن طاقة الشمس والرياح، في حين أن شركات أخرى بدأت تضغط باتجاه الحد من التقدم الحاصل في هذا المضمار، مهما كان الثمن. وقامت جماعات في أوكلاهوما بإقناع المشرعين بفرض رسوم إضافية على المنشآت الشمسية. وكان الانتصار المحدود الذي حققته جماعات تدعمها شركة «كوخ برذرس» في ولاية أريزونا، فرض رسم إضافي قدره 5 دولارات شهريا. وتشن معارك من هذا النوع أيضا في ولايات أميركية أخرى، لكنها جميعها معارك خاسرة، نظرا لأن التقدم الحاصل ليس محصورا في الولايات المتحدة وحدها، فأقطار مثل ألمانيا، والصين، واليابان، تقود الحملة لاعتماد الطاقات النظيفة، فالمرافق الشمسية لا تزال تعتمد على مصادر الطاقة الأخرى لتأمين طاقتها اللازمة عندما تكون الشمس غير ساطعة. بيد أن تقنية التخزين بالبطاريات ستتحسن كثيرا في العقدين المقبلين، مما يجعل المنازل لا تعتمد على الشركات التقليدية.
ومما لا شك فيه أن البيئة ستستفيد كثيرا من التخلص من الوقود الأحفوري، فضلا عن تعزيز جميع القطاعات الاقتصادية. وستصبح السيارات الكهربائية (على سبيل المثال) أرخص تكلفة في التشغيل من السيارات التي تعتمد على الوقود الأحفوري. وسيصبح بمقدورنا إنتاج مياه نظيفة نقية بكميات لا تنضب، عن طريق غلي مياه المحيطات وتكثيفها. وعن طريق الطاقة الرخيصة هذه، سيكون بمقدور مزارعينا أيضا إنتاج فواكه وخضراوات بالزراعة المائية في مزارع عمودية تقع قرب المستهلكين. فقط تخيلوا ناطحات سحاب تقع قرب المدن، تقوم بإنتاج الأغذية والطعام في أبنية زجاجية، من دون الحاجة إلى مبيدات حشرات، وتقوم أيضا بتدوير هذه الأغذية والمواد لضمان عدم حصول آثار بيئية مضرّة. وسنحصل على الطاقة اللازمة لطباعة أغراضنا واحتياجاتنا اليومية بالأبعاد الثلاثة، ومن ثم تدفئة منازلنا.
إننا بالتأكيد نتجه إلى عصر من الوفرة، عصر تلبية الاحتياجات الإنسانية الأساسية عن طريق التقنيات المتطورة. والتحدي الذي يواجهه الإنسان، هو التشارك بهذه الكثرة، وضمان أن هذه التقنيات ستجعل العالم مكانا أفضل.
أرسل تعليقك